فصل: الْأَوَّلُ: تَغْلِيبُ الْمُذَكَّرِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البرهان في علوم القرآن (نسخة منقحة)



.الثاني: قلب المعطوف:

إما بأن تجعل الْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ مَعْطُوفًا وَالْمَعْطُوفُ مَعْطُوفًا عَلَيْهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَلْقِهِ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ ماذا يرجعون}، حَقِيقَتُهُ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ لأنه نَظَرَهُ مَا يَرْجِعُونَ مِنَ الْقَوْلِ غَيْرُ مُتَأَتٍّ مَعَ تَوَلِّيهِ عَنْهُمْ. وَمَا يُفَسَّرُ بِهِ التَّوَلِّي مِنْ أَنَّهُ يَتَوَارَى فِي الْكُوَّةِ الَّتِي أَلْقَى مِنْهَا الْكِتَابَ مَجَازٌ وَالْحَقِيقَةُ رَاجِحَةٌ عَلَيْهِ.
وَقَوْلِهِ: {ثم دنا فتدلى} أَيْ تَدَلَّى فَدَنَا لِأَنَّهُ بِالتَّدَلِّي نَالَ الدُّنُوَّ وَالْقُرْبَ إِلَى الْمَنْزِلَةِ الرَّفِيعَةِ وَإِلَى الْمَكَانَةِ لَا إِلَى الْمَكَانِ.
وَقِيلَ: لَا قَلْبَ، وَالْمَعْنَى: ثُمَّ أَرَادَ الدُّنُوَّ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ: ({فَإِذَا قَرَأْتَ القرآن فاستعذ} الْمَعْنَى فَإِذَا اسْتَعَذْتَ فَأَقْرَأْ).
وَقَوْلِهِ: {وَكَمْ مِنْ قرية أهلكناها فجاءها بأسنا}، وَقَالَ صَاحِبُ الْإِيضَاحِ: لَا قَلْبَ فِيهِ لِعَدَمِ تَضَمُّنِهِ اعْتِبَارًا لَطِيفًا.
وَرُدَّ بِتَضَمُّنِهِ الْمُبَالَغَةَ فِي شِدَّةِ سَوْرَةِ الْبَأْسِ يَعْنِي هَلَكَتْ بِمُجَرَّدِ تَوَجُّهِ الناس إِلَيْهَا ثُمَّ جَاءَهَا.

.الثَّالِثُ: الْعَكْسُ:

الْعَكْسُ، وَهُوَ أمر لفظي كقوله: {مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا من حسابك عليهم من شيء}.
وَقَوْلِهِ: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ}.
{لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لهن}.
{يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي الليل}.

.الرَّابِعُ: الْمُسْتَوِي:

وَهُوَ أَنَّ الْكَلِمَةَ أَوِ الْكَلِمَاتِ تُقْرَأُ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا وَمِنْ آخِرِهَا إِلَى أَوَّلِهَا لَا يَخْتَلِفُ لَفْظُهَا وَلَا مَعْنَاهَا كقوله: {وربك فكبر}.
{كل في فلك}.

.الْخَامِسُ: مَقْلُوبُ الْبَعْضِ:

وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الْكَلِمَةُ الثَّانِيَةُ مُرَكَّبَةً مِنْ حُرُوفِ الْكَلِمَةِ الْأُولَى مَعَ بَقَاءِ بَعْضِ حُرُوفِ الْكَلِمَةِ الْأُولَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فرقت بين بني إسرائيل} فَـ: (بَنِي) مُرَكَّبٌ مِنْ حُرُوفِ (بَيْنَ) وَهُوَ مُفَرَّقٌ إِلَّا أَنَّ الْبَاقِيَ بَعْضُهَا فِي الْكَلِمَتَيْنِ وهو أولها.
الْمُدْرَجُ
هَذَا النَّوْعُ سَمَّيْتُهُ بِهَذِهِ التَّسْمِيَةِ بِنَظِيرِ الْمُدْرَجِ مِنَ الْحَدِيثِ وَحَقِيقَتُهُ فِي أُسْلُوبِ الْقُرْآنِ أَنْ تَجِيءَ الْكَلِمَةُ إِلَى جَنْبِ أُخْرَى كَأَنَّهَا فِي الظَّاهِرِ مَعَهَا وَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ غَيْرُ مُتَعَلِّقَةٍ بِهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى ذَاكِرًا عَنْ بِلْقِيسَ: {إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أعزة أهلها أذلة وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} هُوَ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ لَا مِنْ قَوْلِ الْمَرْأَةِ.
وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لمن الصادقين}.
انْتَهَى قَوْلُ الْمَرْأَةِ ثُمَّ قَالَ يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: {ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ} مَعْنَاهُ لِيَعْلَمَ الْمَلِكُ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ.
وَمِنْهُ: {قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا} تَمَّ الْكَلَامُ فَقَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: {هَذَا مَا وَعَدَ الرحمن وصدق المرسلون}.
وَقَوْلُهُ: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون} فهذه صفة لأتقياء المؤمنين ثم قال: {يمدونهم في الغي} فَهَذَا يَرْجِعُ إِلَى كُفَّارِ مَكَّةَ تَمُدُّهُمْ إِخْوَانُهُمْ مِنَ الشَّيَاطِينِ فِي الْغَيِّ.
وَقَوْلُهُ: {يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ} ثُمَّ أَخْبَرَ عَنْ فِرْعَوْنَ مُتَّصِلًا: {فَمَاذَا تَأْمُرُونَ}.
وَقَوْلُهُ: {هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لَا مَرْحَبًا بهم إنهم صالو النار} فالظاهر أن الكلام كله من كلام الزبانيةوالأمر لَيْسَ كَذَلِكَ.
وَقَوْلُهُ: {إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سليم} مِنْ كَلَامِهِ تَعَالَى وَقَالَ: {إِلَّا مَنْ أَتَى الله بقلب سليم}.

.التَّرَقِّي:

كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نوم}، {لا يغادر صغيرة ولا كبيرة}.
فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ وَرَدَ: {فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا ولا هضما} والغالب أن يقدم في الْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ مَعَ أَنَّ الظُّلْمَ مَنْعٌ لِلْحَقِّ مِنْ أَصْلِهِ وَالْهَضْمَ مَنْعٌ لَهُ مِنْ وَجْهٍ كَالتَّطْفِيفِ فَكَانَ يُنَاسِبُهُ تَقْدِيمُ الْهَضْمِ.
قُلْتُ: لِأَجْلِ فَوَاصِلِ الْآيِ فَإِنَّهُ تَقَدَّمَ قَبْلَهُ: {وَقَدْ خاب من حمل ظلما} فَعَدَلَ عَنْهُ فِي الثَّانِي كَيْلَا يَكُونَ أَبْطَأَ وَقَدْ سِيقَتْ أَمْثِلَةُ التَّرَقِّي فِي أَسْبَابِ التَّقْدِيمِ.

.الِاقْتِصَاصُ:

ذَكَرَهُ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ فَارِسٍ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ كَلَامٌ فِي سُورَةٍ مُقْتَصًّا مِنْ كَلَامٍ فِي سُورَةٍ أُخْرَى أَوْ فِي السُّورَةِ نَفْسِهَا وَمَثَّلَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين}، وَالْآخِرَةُ دَارُ ثَوَابٍ لَا عَمَلَ فِيهَا فَهَذَا مُقْتَصٌّ مِنْ قَوْلِهِ: {وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلى}.
وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ من المحضرين} مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ محضرون}.
وقوله: {ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا}.
فأما قوله تعالى: {ويوم يقوم الأشهاد} فَيُقَالُ: إِنَّهَا مُقْتَصَّةٌ مِنْ أَرْبَعِ آيَاتٍ لِأَنَّ الْأَشْهَادَ أَرْبَعَةٌ:
الْمَلَائِكَةُ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ فِي قَوْلِهِ: {وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ}.
وَالْأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ على هؤلاء شهيدا}.
وَأُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْلِهِ: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى الناس}.
وَالْأَعْضَاءُ لِقَوْلِهِ: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وأرجلهم بما كانوا يعملون}.
وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التناد} وَقُرِئَتْ مُخَفَّفَةً وَمُثَقَّلَةً فَمَنْ شَدَّدَ فَهُوَ مِنْ (نَدَّ) إِذَا نَفَرَ وَهُوَ مُقْتَصٌّ مِنْ قَوْلِهِ: {يوم يفر المرء من أخيه} الْآيَةَ. وَمَنْ خَفَّفَ فَهُوَ تَفَاعُلٌ مِنَ النِّدَاءِ مُقْتَصٌّ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أصحاب النار}.

.الْإِلْغَازُ:

وَاللُّغْزُ الطَّرِيقُ الْمُنْحَرِفُ سُمِّيَ بِهِ لِانْحِرَافِهِ عَنْ نَمَطِ ظَاهِرِ الْكَلَامِ وَيُسَمَّى أَيْضًا أُحْجِيَّةً لأن الحجى هُوَ الْعَقْلُ وَهَذَا النَّوْعُ يُقَوِّي الْعَقْلَ عِنْدَ التمرن والارتماض بِحَلِّهِ وَالْفِكْرِ فِيهِ.
وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ وَقَعَ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ وَجَعَلَ مِنْهُ مَا جَاءَ في أوائل السور من الحروف المفردة والمركبةالتي جُهِلَ مَعْنَاهَا وَحَارَتِ الْعُقُولُ فِي مُنْتَهَاهَا.
وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي قِصَّةِ إِبْرَاهِيمَ لَمَّا سُئِلَ عَنْ كَسْرِ الْأَصْنَامِ وَقِيلَ لَهُ: أَنْتَ فَعَلْتَهُ فقال: {بل فعله كبيرهم هذا} قَابَلَهُمْ بِهَذِهِ الْمُعَارَضَةِ لِيُقِيمَ عَلَيْهِمُ الْحُجَّةَ وَيُوَضِّحَ لهم المحجة.
وكذلك قول نمروذ: {أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ} أَتَى بِاثْنَيْنِ فَقَتَلَ أَحَدَهُمَا وأرسل الآخرة فَإِنَّ هَذِهِ مُغَالَطَةٌ.

.الِاسْتِطْرَادُ:

وَهُوَ التَّعْرِيضُ بِعَيْبِ إِنْسَانٍ بِذِكْرِ عَيْبِ غَيْرِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ}.
وَكَقَوْلِهِ: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صاعقة عاد وثمود} وَقَوْلِهِ: {أَلَا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ}.

.الترويد:

وَهُوَ أَنْ يُعَلِّقَ الْمُتَكَلِّمُ لَفْظَةً مِنَ الْكَلَامِ ثُمَّ يَرُدَّهَا بِعَيْنِهَا وَيُعَلِّقَهَا بِمَعْنًى آخَرَ كَقَوْلِهِ: {حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ الله أعلم} الْآيَةَ فَإِنَّ الْأَوَّلَ مُضَافٌ إِلَيْهِ وَالثَّانِيَ مُبْتَدَأٌ.
وَقَوْلِهِ: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ يَعْلَمُونَ ظاهرا من الحياة الدنيا}.
وَقَوْلِهِ: {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ}.
وقد يحذف أحدها ويضمر أولا يُلَاحَظُ عَلَى الْخِلَافِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا ريب فيه هدى للمتقين}.

.التَّغْلِيبُ:

وَحَقِيقَتُهُ إِعْطَاءُ الشَّيْءِ حُكْمَ غَيْرِهِ. وَقِيلَ تَرْجِيحُ أَحَدِ الْمَغْلُوبَيْنِ عَلَى الْآخَرِ أَوْ إِطْلَاقُ لَفْظَةٍ عَلَيْهِمَا إِجْرَاءً لِلْمُخْتَلِفَيْنِ مَجْرَى الْمُتَّفِقَيْنِ.
وَهُوَ أَنْوَاعٌ:

.الْأَوَّلُ: تَغْلِيبُ الْمُذَكَّرِ:

كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَجُمِعَ الشمس والقمر} غُلِّبَ الْمُذَكَّرُ لِأَنَّ الْوَاوَ جَامِعَةٌ لِأَنَّ لَفْظَ الفعل مقتص وَلَوْ أَرَدْتَ الْعَطْفَ امْتَنَعَ.
وَقَوْلِهِ: {وَكَانَتْ مِنَ القانتين}.
وقوله: {إلا امرأته كانت من الغابرين} وَالْأَصْلُ: (مِنَ الْقَانِتَاتِ وَالْغَابِرَاتِ) فَعُدَّتِ الْأُنْثَى مِنَ الْمُذَكَّرِ بِحُكْمِ التَّغْلِيبِ.
هَكَذَا قَالُوا، وَهُوَ عَجِيبٌ فَإِنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ نَحْنُ مِنْ بَنِي فُلَانٍ لَا تُرِيدُ إِلَّا مُوَالَاتَهُمْ وَالتَّصْوِيبَ لِطَرِيقَتِهِمْ وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي الْأَشْعَرِيِّينَ: «هُمْ مِنِّي وَأَنَا منهم» فقوله سبحانه: {من القانتين} وَلَمْ يَقُلْ: مِنَ (الْقَانِتَاتِ) إِيذَانًا بِأَنَّ وَضْعَهَا فِي الْعِبَادِ جِدًّا وَاجْتِهَادًا وَعِلْمًا وَتَبَصُّرًا وَرِفْعَةً مِنَ اللَّهِ لِدَرَجَاتِهَا فِي أَوْصَافِ الرِّجَالِ الْقَانِتِينَ وَطَرِيقِهِمْ.
وَنَظِيرُهُ وَلَكِنْ بِالْعَكْسِ قَوْلُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ لِأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ لَمَّا أَجْمَعَ القعود.
عَنْ وَقْعَةِ بَدْرٍ لِأَنَّهُ كَانَ شَيْخًا فَجَاءَ بِمِجْمَرَةٍ فَقَالَ: يَا أَبَا عَلِيٍّ اسْتَجْمِرْ فَإِنَّمَا أَنْتَ مِنَ النِّسَاءِ فَقَالَ: قَبَّحَكَ اللَّهُ وَقَبَّحَ ما جئت به ثم تجهز.
ونازعهم بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فَقَالَ: يحتمل ألا يكون (مِنْ) لِلتَّبْعِيضِ بَلْ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ أَيْ كَانَتْ نَاشِئَةً مِنَ الْقَوْمِ الْقَانِتِينَ لِأَنَّهَا مِنْ أَعْقَابِ هَارُونَ أَخِي مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ.